كثيرا مايزعجني تطاير الحشرات وخصوصا الذباب من أمامي وحول وجهي، أشعر إزائه بالإمتعاض والضجر إذ دائما ما أقول في نفسي ماذا يريده مني هذا الكائن رغم أن ملامحي ليست سكرية ههههه.. وهو يتحرك دائما في أوقات
نجعي الصباحية المعتادة فيشعرني بالهشاشة والإضمحلال لكني لا ألبث بالهروب منها بارتشاف وعاء من الماء البارد الذي يملأ الحباب وماتبقى أمرره رشقا على وجهي لأشعر بعدها بنوبة من النشاط تدب في أوصالي، ربما رتابة حياتي البسيطة وبدائيتها تجعلني متقوقعا في أفكاري ومشهدي اليومي المعتاد، إذ لا أبارح القرية إلى المدينة إلا نادرا لقضاء احتياجاتي الشخصية فقط ودائما ما أقول إن حياتي هنا بعفويتها وسلاستها هي أجمل من صخب المدينة وتعقيداتها التي تشل التفكير لوعورة مسالكها ودهاء أبنائها، فأنا عندما أذهب إلى المدينة أنشغل بكثرة زخارفها وضجيجها الذي يصم الآذان، وقطعا أحس بالإختناق لكثرة آلاتها التي تسير في شوارعها وأزقتها..كان ذهابي إلى النهر في كل صباح هو باكورة ما أقوم به يوميا، هو طقس إعتدت عليه، ربما هو نوع من الهروب أختلقه لكي أبتعد عن الملل والروتين. في الطريق إلى النهر إعتدت رغاء الثيران والجاموس التي تحتل مسطحات من الماء الراكد حيث بيئتها وحيويتها وأنأ أسير في طريقي الترابي نحو النهر تتطاير أسراب الجراد متقافزة أمامي هاربة إلى مكان آخر ربما جلجلة أقدامي تثير فيها الرعب وفي السماء أسمع صفيرالزاغ يخيم على أجواء القرية بينما أسمع من بعيد عواء الكلاب في كل ناحية من القرية، ربما تقوم بدور الحارس الأمين للقرية النائمة على حضن النهر من الغرباء والأشرار وهم موجودين في كل زمان ومكان وعندما أصل إلى النهر وارى تدفقه وصوت الماء المتلاطم في أعماقه وجنباته اشعر بالاغتباط والسحر الداخلي أحس انه يناديني ويطلبني إليه وهو سعيد بوجودي معه هكذا أتخيله وإمام هذا المد الروحي في اختزال اللحظات يتسرب إلى نفسي الحنين والشوق إلى الغناء فانغمس في ترتيل الكلمات والإلحان في شهقات متلاحقة تنبلج من ثنايا الروح وتتملكني السكينة فتفيض روحي هوى ومودة لكل الأشياء التي تحيط بي ومع احتواء الفضاء الممتد إمامي وسكونه الخلاب ترتفع أصوات الطيور المغردة وحفيف الأحراش التي تدفعها الرياح ..يشعرني ذلك بامتلاك النهر لأحاسيسي ...أسير بخطوات متئدة انزل للأسفل قليلا واقترب من جرفه وانهل من ثغره بكفي لأرتوي ربما إنا اشتقت إليه لأقبله واضع راسي في قاعه للحظات وانتفض منتعشا شاردا بأحاسيسي إلى السماء ..كنت اتسائل مع نفسي وانأ في خضم هذا الولع ياترى لو كنت مع مجموعة من الإفراد هل أكون هكذا ؟يتملكني عشق سرمدي لهذا الكائن وأدندن ربما سيفسدون علي خلوتي ويسرقون متعتي الأزلية ورغم ذلك تعودت على إقامة طقوسي الاحتفالية لوحدي في جانب النهر كل صباح حيث يتجدد لقائنا ونسعد بحوارنا وعندما أهم بالعودة إلى كوخي في القرية أودعه وأحييه وأقص عليه ترنيمة الوداع وارجع وصورة النهر عالقة في مخيلتي واسترجع لحظات هي كالحلم الذي يقضه خرير المياه المتهادي في أفق القرية